سورة غافر - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


التوب والتوبة: معناهما واحد. ذي الطَّول: ذي الفضل. يجادل: يخاصم. تقلُّبهم في البلاد: تصرفهم فيها للتجارة ونحوها. الأحزاب: جميع الذين تحزبوا ضد رسلهم. همّت: عزمت على قتلهم. ليأخذوه: ليقتلوه أو يعذبوه. ليدحضوا: ليبطلوا. حقت: وجبت. كلمة ربك: حكمه بالهلاك.
حاميم هكذا تقرأ. حرفان من حروف الهجاء، بدئت بهما السورة للاشارة إلى ان القرآن مؤلف من جنس هذه الحروف، ومع ذلك عجِز المشركون عن الإتيان بأصغر سورة من مثله.
إن هذا القرآن منزَّل من عند الله الغالب القاهر، وهو الذي يغفر الذنبَ مهما جلّ، ويقبل التوبة من عباده في كل آن، فبابُه مفتوح دائما وابدا، فلا يقنط أحدٌ من ذلك. وهو شديد العقاب، ومع هذا فهو صاحبُ الإنعام والفضل، لا معبودَ بحقٍّ الا هو، إليه وحده المرجع والمآل.
وقد كثر في القرآن الكريم الجمع بين الوصفين كقوله تعالى: {نَبِّئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم} [الحجر: 49-50] ليبقى الناسُ بين الرجاء والخوف، ولكن الرحمة دائماً مقدَّمة على العذاب.
وبعد أن بيّن الله ان القرآن كتابٌ أُنزل لهداية الناس وسعادتهم في الدارَين، بيّن هنا أنه لا يخاصِم في هذا القرآن- بالطعن فيه وتكذيبه- الا الذين كفروا، فلا يخدعك أيها الرسول تقلّبُهم في البلاد وما يفعلونه من تجارة وكسب، ولا تغترَّ بسلامتهم، فإن عاقبتهم الهلاك.
ثم قال مسلّياً رسوله عن تكذيب مَن كذّبه من قومه بأن له أسوةً في الأنبياء مع اقوامهم من قبله بقوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ}
الأحزابُ كل من تحزَّب ضد الحق واهله في كل زمان ومكان، وقصة الرسالة والتكذيب والطغيان طويلة طويلة على مدى القرون.
{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}
ليقتلوه أو يعذّبوه، وخاصموا رسولهم بالباطل ليبطلوا به الحق الذي جاء به من عند الله.
{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}
ليقتلوه أو يعذّبوه، وخاصموا رسولهم بالباطل ليبطلوا به الحق الذي جاء به من عند الله.
{فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}
فاستأصلتهم فلم أُبْقِ منهم احدا وكان عقابي لهم شديداً مدمرا.
وكما حقت كلمةُ العذاب على الأمم التي كذّبت أنبياءها- حقّت كلمة ربك على الكافرين، لانهم اصحاب النار. وهذا تحذير شديد لجميع المنحرفين من أهل الضلال.
قراءات:
قرأ نافع وابن عامر: {حقت كلمات} بالجمع، والباقون: {كلمة} بالافراد.


العرش: المُلْك، وسرير الملك. وهنا معناه مركز تدبير العالم، ولا نعرف صفاته وكيف هو. قِهِم: احفظهم، من الفعل: وقَى يقي. مقْتُ الله: اشدّ غضبه.
ثم بين الله تعالى ان حملة العرش من الملائكة، ومَن حول العرش مِنهم {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} وهم من بين القوى المؤمنة في هذا الوجود، يذكُرون المؤمنين عند ربهم ويستغفرون لهم ضارعين إلى الله تعالى بقولهم: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ}
اغفر لهم ذنوبهم بعد أن تابوا واستقاموا على هداك، وجنّبهم عذاب النار.
ويقول الملائكة: ربنا أدخِل المؤمنين جناتِ الاقامة التي وعدْتهم بها على لسان رسُلك، وأدخل معهم الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم، {إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم}.
ويقولون في دعائهم ايضاً: واحفظْهم يا رب من سوء عاقبة سيّئاتهم التي وقعوا فيها، ومَنْ جنّبتَه سيئاتِه يوم القيامة فقد رَحِمتَه بفضلك، {وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} بل هو أكبر فوز يحصل عليه المؤمن مكافأة له على ما قدّم من صالحات الأعمال.
وتنادي الملائكةُ الكافرين يوم القيامة وهم في أشد العذاب فيقولن لهم: إن مَقْتَ الله لكم وغضبه عليكم في الدنيا على كفركم أشدُّ من مقتكم الآن لأنفسِكم، فقد دعاكم سبحانه بواسطة رسُله إلى الإيمان فأبيتم إلا الكفر. وما أوجعَ هذا التأنيبَ في هذا الموقف العصيب!!.


أمتّنا اثنتين، وأوحييتنا اثنتين: خلقتنا من العدم، ثم أمتّنا بعد انقضاء آجالنا. وأحييتنا اثنتين: عند ميلادنا، ويوم البعث يوم القيامة. يوم التلاق: يوم القيامة؟ بارزون: ظاهرون.
ويقول الكافرون يوم القيامة: يا ربنا أمتّنا موتَتين: الأولى حين خلقْتَنا من العدم، والثانية يوم توفّيتنا عند انقضاء أجلنا. وأحييتنا مرتين: مرة هي حياتنا الدنيا، والثانية يوم بعثِنا هذا فاعترفنا أننا أنكرنا البعث وكفرنا وأذنبنا. ونحن الآن قادمون، فهل من سبيل إلى الخروج من النار، ولك منا عهدَ الطاعة والامتثال؟ فيجيبهم الله: لا.
{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ}
إنكم ان عدتم إلى الدنيا فلن تؤمنوا، فقد كفرتم بالله، وآمنتم بالشركاء، وهذا العذابُ الذي انتم فيه من حُكم الله عليكم نتيجة لأعمالكم {فالحكم للَّهِ العلي الكبير}.
هو الذي يريكم دلائل قدرته، وينزل لكم من السماء ماءً يكون سببَ رزقكم، لكنه لا يعتبر بتلك الآيات ويستدلّ بها على عظمة الخالقِ الأوحد الا من يُنيب إلى الله ويرجع اليه.
ثم لما ذكر ما وجّههم اليه من الأدلة على وحدانيته- أمر عباده بالدعاء والتوجه اليه: {فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين وَلَوْ كَرِهَ الكافرون}
فادعوا الله مخلصين له العبادةَ ولو كره الكافرون عبادتكم.. ولن يرضوا عنكم ابدا. والدعاء عبادة، وفي الحديث الصحيح: «ادعوا الله تباركَ وتعالى وانتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءَ قلبٍ غافل لاهٍ».
ثم ذكر الله تعالى بعض صفاته بقوله: {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق}.
فهو وحده صاحبُ المقام العالي، وصاحب المُلك والسلطة المطلقة، وهو الذي يلقي الوحيَ على من يشاء من رسُله. وسمّى الوحيَ روحاً لأنه روحٌ وحياة للبشر. وذلك لينذر هؤلاء الرسلُ الناسَ أنهم سيُبعثون يوم التلاقي (وهو يوم القيامة) حيث يتلاقون- في ذلك اليوم يبرزون مكشوفين ظاهرين لا يخفى على الله من أمرهم شيء، ويسمعون نداءً رهيباً: {لِّمَنِ الملك اليوم؟} ويأتي الجواب الحاسم {لِلَّهِ الواحد القهار}. وفي ذلك اليوم يتضاءل المتكبرون، ويقف الوجود كله خاشعاً، والعباد كلهم خاضعين.
في ذلك اليوم الرهيب يُثاب كلُّ عامل بعمله، ويقال بوضوح: {لاَ ظُلْمَ اليوم} فإنه يوم الجزاء الحق، ويوم العدل، والقضاء الفصل، هذا كله يسير بسرعة {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5